مرثية الحجارة البيضاء

أنا أعلم أنك انتظرتِ وصولي طويلاً

لكنني لم أصل.

وعندما وصلتُ كنتِ قد أصبحتِ 

داخل غرفة مقفلة بإحكام،

تحرسك 9 أقحوانات ووردتان.

يمكن أن تنتهي القصيدة هنا؛ 

شعور بسيط بالذنب،

كلمات عن الانتظار

والرحيل 

والموت

عن المقبرة

والورد

والأقحوانة.

أي بمعنى آخر،

رثاء اعتيادي،

لموت اعتيادي

في بلد الموت الاعتيادي،

وبعد لحظات، أو أشهر أو سنوات

سيعود كل شيء إلى مجراه،

بانتظار موت جديد.

لكن لا، ليس اعتيادياً ما جرى،

ولن أصمت وأمضغ الحسرة والدمع

كما قلت، حين قلت، لصديقي عمر:

“أعتقد أنه منذ الخريف الماضي بدأت أخاف، وأعجز عن، الكتابة المباشرة، رأفة بعيون تقرأ وتفهم وتحزن، بدأت أفكر بالتحول نحو الكتابة الرمزية، فلتكن غير مفهومة، أو فلتكن قصيدة مقفلة. حزني مضاعف يا عمر لأنني كنت كلما أكتب أرتاح، أما الآن أجد نفسي قد فقدت هذه القدرة”.

لكن لا، 

فليكن موتاً

فليكن حزناً

فليكن سواداً

لن أؤجله،

لن أكون موارباً

لن أكون رمزياً،

خاصة عندما يأتي

بكامل وقاحته وقسوته وفجائيته،

ليقول:

أنا أنا الموت من يهزمني؟

***

أنا أعلم أنكِ انتظرتِ هناك، 

عند آخر الدرب،

الذي يحفظ خطواتكِ

ويعرف أن الشخص الذي مرّ 

مراراً هنا، هو أنتِ.

والآن، بعد أن غبتِ

تراه هل بكى

بعد أن اختفت الخطوات؟

إذا أردت رسم/وصف الحقل، كيف سيكون؟

سيكون رسماً من خطين أبيضين متقاطعين،

إلى جانب خطين أخضرين، 

الأول قريب وداكن،

والثاني بعيد ومائل إلى الرمادي،

إلى جانب خطين أزرقين

الأول للسماء

والثاني للبحر.

هل هذا هو المشهد الأخير، والوحيد 

الذي توارد إلى ذهنكِ

في اللحظات الأخيرة؟

أم توارد معناه إليكِ؟

ولكن، ها أنا وصلت،

لا تخافي، لست وحيدة

سيفرح الحقل بكِ

سيكفكف دموعه

سنمشي معاً، خطوات وئيدة

سيتذكرك الحقل فوراً

وسيعاتبني

ستعاتبني الصنوبرة

وخط الورد الغائب/اليابس،

لا بأس،

فشجرة الغار لا زالت مكانها تبتسم،

تبتسم لشجرة البطم.

وبدورهما تبتسمان

لشجرة السفرجل،

والزنبق في الزاوية

والتين 

والعنب

والخوخ

واللوز

والزيتون

والسماق

والزعتر

أتذكرين؟ 

هل هذا هو المشهد الأخير، والوحيد 

الذي توارد إلى ذهنكِ

في اللحظات الأخيرة؟

أم توارد معناه إليكِ؟

وأسأل نفسي:

ماذا لو جاء الموت إلى كل هذه النباتات

والأشجار؟ ماذا لو جرفتها السيول أو أحرقها حريق،

كيف أستعيدها؟

كيف أستعيد المعنى؟

***

أنا أعرف أن العشاء الأخير

كان في أواسط التسعينيات،

وليس اليوم،

لذلك، كان انتظارك طويلاً.

انتظار سبّبه والدي لكما،

أنتِ وخالي،

عندما قال:

إقرأ من شعرك،

إقرأ يا حبيبي!

جميعكم كرر العبارة نفسها

إقرأ يا حبيبي، إقرأ! 

لكنني لم أقرأ،

لم تعرفي كتاباتي،

وها أنا أكتب غيابك،

ولن تعرفي ماذا كتبت

أو ماذا أكتب.

لاحقاً، ولاحقاً جداً،

“عالجت” ندمي من قتل العصافير

وشعوري بالذنب 

لأنني لم أقرأ ليلتها

ما كنت قد كتبته.(*)

***

كل ذلك، وما زلت غائبة.

لكنني، سأجدك هنا في المخيلة،

أو هناك، سأجد؛

في المرآة المشققة: ابتسامتك،

في طعم السفرجل: عرقك،

في الزعتر: سماقك،

في السماق: يدك،

في إبريق الفخار الفارغ: ماء من عينيك.

في العنب: غلاوتك.

“ما زلتِ واقفة عند المدخل

ما زلتِ واقفة في النور الذي ستتركينا فيه” (جايسون مولينا)

(*) بسكوت وراحة– 16 شباط/فبراير 2012

Songs: Ohia ~ She Came to Me As a Ghost
Juan Falú – El bien perdido (Atahualpa Yupanqui)
Piano Sonata N. 29 in B Flat Major, Op. 106 “Hammerklavier”: Adagio sostenuto
هذا المنشور نشر في قصيدة, شعر وكلماته الدلالية , , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق