النقابات في لبنان: أي تغيير؟

زخرت هذه السنة بعدد من اﻹضرابات خاصة في اﻷشهر القليلة الماضية. توزعت هذه اﻹضرابات بطبيعة الحال على القطاعين العام والخاص. هل نجحت هذه التحركات وهل استطاعت أن تنتشل الحراك النقابي من مراوحته؟

نقابات النقل البري خارج المعادلة

في بداية السنة دعت اتحادات النقل البري و اتحاد الفلاحين نقابات عمال الميكانيك والكهرباء في صور واتحاد نقابات العمال والمستخدمين في محافظة النبطية، إلى إضراب في 10 شباط احتجاجا على ارتفاع أسعار المحروقات لا سيما الضرائب والرسوم على صفيحة البنزين. هذه الدعوة عادت وتراجعت عنها النقابات العمالية من خلال الاجتماع النقابي الموسع الذي عقد في مقر الاتحاد العمالي العام في 7 شباط فعلقت الإضراب والتظاهر إلى ما بعد تشكيل الحكومة وقررت متابعة الحوار مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

تعليق اﻹضراب هذا لم ينفع، خاصة وإن النقابات المذكورة أملتبتشكيل الحكومة واعتماد الحوار مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لم ينفع لسببين:

اﻷول: ﻷن تشكيل الحكومة طال أكثر من كل أغاني أم كلثوممجتمعة، مع كامل الاحترام لهذه المطربة العظيمة.

الثاني: ﻷن أزمة بنزين مفتعلة وقعت في شهر شباط وامتدت حتى شهر أيار المنصرم.

ترافق كل ذلك مع عملية شد حبال بين وزير الطاقة(السابق والحالي) جبران باسيل ووزيرة المال السابقة ريا الحسن، اﻷخيرة استطاعت آنذاك أن تزايد على الوزير الإصلاحي التغييريلناحية رفع سقف دعم البنزين من 3300 ليرة (دعم جبران باسيل) إلى 5000 ليرة. هذا الدعم المتكارم من السلطة الحاكمة، سرعان ما تآكل في نيسان الماضي بفعل ارتفاع أسعار المشتقات النفطية. هنا عادت النقابات (نقابات النقل البري) إلى تململها المعتاد. حيث حضرت ﻹضراب وقطع طرقات ونبرة مرتفعة في 18 أيار سرعان ما تراجعت عنه ﻷن وزيرة المال السابقة تهوى تسجيل اﻷهداف فبعد تسجليها هدفا في مرمى باسيل في شباط، فإنها استطاعت أن تسجل عدة أهداف في المرمى عينه في أيار، حيث أقرت خطة دعم البنزين لسائقي السيارات والحافلات والشحن العمومية مقدارها 12 تنكة ونصف تنكة شهريا لمدة 3 أشهر، دعم شمل هذه الفئة دون غيرها. الوزيرة هنا استطاعت أن تحنط هذه النقابات في إطارها الفئوي واﻷخيرة ارتضت لنفسها هذا الدور، وكما أنها استطاعت أن تظهر للرأي العام بمحسنة من داخل النيوليبرالية بشكلها اللبناني.

محمد الصفدي، وزير المال الحالي، أكد مضيه بخطة الدعم المشار إليها، حتى أن بسام طليس نقيب السائقين العموميين ذهب أبعد من الوزير الشمالي، حيث أكد في تصريح لجريدة النهار: “أن الحكم استمراريةناسفا كل ادعاءات للشق الثامن من آذار عن أن حكومة نجيب ميقاتي تشكل قطعا مع الحكومات السابقة.

هيئة التنسيق النقابية: “لإعطاء الحكومة الجديدة الوقت لاعداد بيانها الوزاري

نفذت روابط المعلمين في التعليم اﻷساسي الرسمي إضرابا في 10 آذار للمطالبة بـ 4 درجات ونصف الدرجة إسوة بزملائهم في التعليم الثانوي وإقرار الملاك الموحد للتعليم ما قبل الجامعي، وتحسين الضمانات الصحية التي تقدمها تعاونية موظفي الدولة، كما طالبوا بدفع مستحقات صناديق المدارس الرسمية وأرفقوا إضرابهم هذا بخطة تحرك تشمل إضرابات واعتصامات حتى تحقيق المطالب المذكورة. وزير التربية حسن منيمنة وافق في شهر نيسان على مطلب الـ4 درجات ونصف من خلال رفع مشروع قانون إلى رئاسة مجلس الوزراء. في هذا اﻹطار، تمنت عايدة الخطيب، رئيسة رابطة المعلمين الرسميين في بيروت، في تصريح لها لجريدة اﻷخبار: “أن يتبنى الوزير الجديد مشروع القانون على خلفية أن الحكم استمرار، بما تذكر الجملة الأخيرة؟ بسام طليس يعرف الجواب. لكن صناديق المدارس الرسمية لم تتلق إلى اﻵن سوى دفعة واحدة عن العام الدراسي 2010- 2011، مما يعني وقوع موازنات هذه المدارس بعجز مالي. والحكم استمرار.

في نيسان الماضي أعيد تشكيل هيئة التنسيق النقابية، أعيد، ﻷنها نشطت خلال العام 2008 بهدف زيادة الحد اﻷدنى للأجور وبهدف تحسين تقديمات تعاونية موظفي الدولة، إلى أن تلاشت تدريجيا، عام 2009، بفعل تشتت الروابط حيال مطالب كل منها، وفي هذا الإطار يمكن تذكر الهتافات المستهجنة لمشاركة عضو رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي محمد قاسم في تحرك روابط المعلمين في التعليم الأساسي للمطالبة بإقرار الدرجات الثلاث حيث اتهم قاسم ب”خيانة”والرابطة التي يمثلالأسس التي قامت على أساسها هيئة التنسيق النقابية (التضامن النقابي والمساندة المتبادلة).

حسنا، تضم هيئة التنسيق النقابية روابط المعلمين في التعليم اﻷساسي، الثانوي، المهني والتقني، اﻷساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، والمتخرجين من معهد اﻹدارة والتدريب ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة.

نفذت هذه الهيئة إضرابا ليوم واحد، 18 أيار، صودف في اليوم نفسه الذي قررته نقابات النقل البري، اﻷخيرة أُخرجت (وخرجت) بفعل التحنيط المشار إليه. في اليوم التالي عنونت جريدة اﻷخبار غلافها بتنك للسائقينوللأساتذة طول البقاء، بالطبع يحمل هذا العنوان سخرية من السائقين، تنك، وتعزية للأساتذة، طول البقاء. طالبت هيئة التنسيق بمعالجة أزمة ارتفاع الأسعار وتصحيح الاجور وغلاء المعيشة، بما يوازي نسبة التضخمكما سجلت موقفا رافضا لحالة الجمود السياسيأثناء المراوحة في عملية تشكيل الحكومة. إضراب ليوم واحد؟ على ما يبدو سيبقى يوما يتيما ﻷن هيئة التنسيق المذكورة ما لبثت أن تريثت وتمهلت، ففي 9 حزيران قررت الهيئة تنظيم اعتصام في ساحة رياض الصلح للأسباب أعلاه. ثم عادت وعلقت الاعتصام المذكور في 15 حزيران. وفي 21 حزيران عقدت مؤتمرا صحافيا قالت فيه أن تحركاتها المستقبلية مرهونة بمدى التزام تحقيق المطالب وتامين حقوق اللبنانيين ومطالبهم وفي مقدمها معالجة أزمة الغلاء المستفحلة وإرتفاع الأسعار وتدني الرواتب والأجوروطالبت الحكومة بان يشمل بيانها الوزاري سلسلة من المواضيع التي تتعلق بحماية السلم اﻷهلي والحريات وتفعيل المؤسسات الدستورية وتفعيل التعليم الرسمي ومعالجة اﻷزمات اﻹقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وقالت في الختام بأنها ستلجأ إلى اعتماد الخطوات التصعيدية المناسبة في سبيل تحقيقها.

في الواقع ينقسم البيان اﻷخير إلى شقين اﻷول سياسي عام يتعلق بالحريات وحماية السلم اﻷهلي وتفعيل المؤسسات الدستورية. أما الثاني فيتعلق بمعالجة مواضيع اﻹقتصادية والاجتماعية والمعيشية وغلاء اﻷسعار، الذي يمكن اختصاره، للشق الثاني، برفع الحد اﻷدنى للأجور.

ماذا يعني هذا الكلام؟ ان هيئة التنسيق النقابية تريد أن تقوم بتحركات تصعيدية مناسبة في سبيل تحقيق الأمور اﻵنفة الذكر، في حال لم ترد في البيان الوزاري لحكومة نجيب ميقاتي أو لم تنفذها الحكومة المذكورة. جيد، البرنامج طموح وهو يمكن اعتباره برنامجا لحزب سياسي. ولكن هل تعلمت هيئة التنسيق من التجربة السابقة لعامي 2008 – 2009 المشار إليها أعلاه، أي أن لا تفترق عند أول منعطف طرق؟، والمنعطفات معروفة: مطالب فئوية و/أو رشى مبطنة من قبل الطغمة الحاكمة. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، بأية أدوات ستواجه هذه الهيئة السلطة الحاكمة وهي محرومة، بحسب قانون الموظفين رقم 112 الصادر عام 1959 (أنظر إلى التاريخ!) المادة 15: من إلقاء أو نشر خطب أو مقالات إلا بإذن خطي من الرئيس المباشر للموظف، ومن اﻹنضمام إلى النقابات، ومن اﻹضراب عن العمل أو التحريض على اﻹضراب، تنظيم العرائض الجماعية المتعلقة بالوظيفة، ومن واجبات الموظف (المادة 14 من القانون عينه) أن يتخلى عن أية مهمة أو أية مسؤولية في اﻷحزاب (في حال انتمى إلى حزب أو جمعية سياسية). ألم يكن من اﻷجدى على هيئة التنسيق النقابية، طالما أنها تحمل برنامجا طموحا إلى هذا الحد أن تضع هذه المطالب على أجندتها؟، خاصة وأن هذه الروابط هي كناية عن روابط ثقافية نشأت (وتحل) بقرار من وزير التربية. لا غرابة والاجتهاد المستقر (لاحظ هذه الكلمة السلطوية القمعية) لمجلس شورى الدولة يعتبر النقابات من قبيل قوى موازية ضاغطة في إدارة الدولة يحوّل هذه من سلطة إلى مجرد رب عمل، مع ما يترتب على هذا الوضع من المساش رويدا رويدا (كذا) بقدرتها على العمل، وما يؤدي ذلك إلى الاضرار بمصالح المجموع (كذا وكذا) خصوصا في بلدان محدودة الإمكانات والموارد” (شورى الدولة 1968).

أي تغيير؟

العمل النقابي يجب أن يبقى ضمن المساحة المسموح بها في البلاد التي تدعي الديمقراطية، المطالب مسموح بها ولكن شرط ألا تحمل إرادة ثورية. في المظاهرات وفي ترداد الشعارات والبيانات السلطة تعلم بنا لكنها ليست منزعجة على اﻹطلاقجان لويس فان نقابي ثوري فرنسي.

من هنا، هل ستنتظر النقابات بيانات وزارية وستتمسك بشعار يقول أن الحكم استمرار؟ بالطبع هي تنتظر وتردد في الوقت عينه هذا الشعار. في 1 أيار تجمع العشرات من الناشطين والناشطات في حملة إسقاط النظام الطائفي ورموزهمن أجل نظام علماني أمام مقر الاتحاد العمالي العام في كورنيش النهر وطالبوا بإسقاط الاتحاد العمالي الذي لا يمثل العمال، هذا بالنسبة للاتحاد، فهل ستتعلم هيئة التنسيق النقابية من التجارب السابقة التي دجنتالاتحاد العمالي وأصبح ألعوبة بيد السياسيين خدمة للنيوليبرالية وللنظام اﻷمني السوري اللبناني المشترك؟

ألم يشكل الحراك لإسقاط النظام الطائفي مساحة عمل للنقابات في لبنان؟ وهل فوت الحراك العلماني والنقابات فرصة لدفع الحالة الثورية الجنينية نحو امتدادات أوسع فتشكل النقابات وخاصة تلك المرتبطة بالتعليم (ابتدائيثانويجامعيمهني) في القطاعين العام والخاص مساحة جديدة وخصبة لكسر النظام الطائفي اللبناني حيث يعيد هذا النظام إنتاج نفسه داخل هذه المؤسسات التعليمية ويجدد لشيخوخته المتصابية؟ المسؤولية هنا مشتركة، لأن الرافعة لامتداد الوعي الثوري متبادلة بين النقابات والناشطين. هذه الرافعة هي أكثر من ضرورة في هذه اللحظات، حيث الانقسام السياسي على أشده، والماكينة المنتجة للخطاب الطائفي تزيّت ألسن رموز النظام. بالطبع، لن يقتصر الانقسام، على ما يبدو، على الألسن الصدئة، والخطاب والفعل المناهض للنظام في لبنان عليه عدم استثناء أي رمز، والحذر من خطوات مسكّنة سرابية قد تقدم عليها حكومة نجيب ميقاتي لـشراءبعض المصداقيةعلى أبواب الانتخابات النيابية لعام 2013، حيث يظن البعض أنه بتوسله لمقعد نيابي يصنع تغييرا تحت قبة البرلمان.

برلمان. هه! ” برلمان برلمين، برلمان السراقين، برلمان المجرمين، برلمان المرتشينشعار ردد في تظاهرة 26 حزيران لحملة إسقاط النظام الطائفيمن أجل نظام علماني

بالطبع التاريخ لن يتوقف بفشل حملة من هنا أو هيئة تنسيقية من هناك، لكن التاريخ سيحمل مرآة لنشاهد أنفسنا نكرر الأخطاء ذاتها.

هذا المنشور نشر في نقابات, نضال مفيد وكلماته الدلالية , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق